سورة غافر - تفسير التفسير القرآني للقرآن

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (غافر)


        


{حم (1) تَنْزِيلُ الْكِتابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (2) غافِرِ الذَّنْبِ وَقابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقابِ ذِي الطَّوْلِ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ (3) ما يُجادِلُ فِي آياتِ اللَّهِ إِلاَّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَلا يَغْرُرْكَ تَقَلُّبُهُمْ فِي الْبِلادِ (4) كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَالْأَحْزابُ مِنْ بَعْدِهِمْ وَهَمَّتْ كُلُّ أُمَّةٍ بِرَسُولِهِمْ لِيَأْخُذُوهُ وَجادَلُوا بِالْباطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ فَأَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كانَ عِقابِ (5) وَكَذلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ أَصْحابُ النَّارِ (6)}.
التفسير:
قوله تعالى: {حم} هذه أول سورة من سور الحواميم السّبع، وقد عدّها بعضهم ثمانى سور، وجعل الزّمر واحدة منهن، مع أنها لم تبدأ بالحاء والميم كما بدئن، وإنما بدئت بذكر الكتاب، والقرآن، كما بدئن، فكان ذلك قرينة على أنها واحدة منهن.
وأيّا كان، فإن هذا البدء بالحاء والميم لسبغ سور من القرآن، يجعل منهن وحدة واحدة، في أسلوب النظم، وفى مضمونه.
وتسمى مجموعة هذه السور: آل حم أو الحواميم ويروى عن عبد اللّه بن مسعود رضى اللّه عنه أنه قال: آل حم ديباج القرآن وقال ابن عباس: إن لكل شيء لبابا ولباب القرآن آل حم.. ويروى عن ابن مسعود أيضا: إذا وقعت في آل حم فقد وقعت في روضات أتانّق فيهن.
قوله تعالى: {تَنْزِيلُ الْكِتابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ} أي منزّل الكتاب، ومصدره، هو من اللّه العزيز العليم.. وكتاب يكون إلى اللّه نسبته، هو ما هو في رفعة الشأن، وعلوّ المقام.. إنه كلام اللّه، وكلام اللّه صفة من صفاته.
وفى وصف اللّه بالعزة والعلم، إشارة إلى بسطة سلطانه على الوجود، وتمكّنه من كل موجود، مع إحاطة علمه بكل شىء، فيعلم خائنة الأعين وما تخفى الصدور.
وفى الجمع بين العزة والعلم هنا، والجمع بين العزة والحكمة في سورة الزمر- مراعاة للمقام هنا، وهناك.
ففى سورة الزمر ناسبت الحكمة دعوة النبي إلى التمسك بهذا الكتاب الحكيم، والاهتداء بهديه، وعبادة اللّه على ضوئه.
وهنا، ناسب العلم دعوة الناس إلى التوبة، والإقبال على اللّه بنية خالصة.
لأن اللّه يعلم ما تكن السرائر، وما تخفى الصدور.
قوله تعالى: {غافِرِ الذَّنْبِ وَقابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقابِ ذِي الطَّوْلِ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ} هو عرض لبعض صفات اللّه سبحانه وتعالى، إلى ما عرض في الآية السابقة.. فمن صفاته سبحانه أنه {غافر الذنب} يغفر للمذنبين، الذين يدرءون بالحسنة، ذبوبهم، كما يقول سبحانه: {إِنَّ الْحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ} [114: هود].
ومن صفاته سبحانه، أنه {قابل التوب} أي يقبل التائبين، ويتجاوز لهم عما كان منهم.
ومن صفاته سبحانه: أنه {شديد العقاب}.
أي أن عذابه للعاصين، والضالين، شديد، يلقى منه المعذبون الوبال والنكال.
فمع سعة رحمة اللّه، ومع سوابغ فضله وإحسانه، فإن عقابه شديد راصد.
فالرحمة والفضل والإحسان للمحسنين، والعذاب والنكال للضالين المكذبين.
وبهذا يعتدل ميزان العدل بين الناس.. فلا يسوى بين الأخيار والأشرار، بل ينزل كل من هؤلاء وهؤلاء منزله: {أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ؟ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ} [28: ص] ومن صفاته سبحانه، أنه {ذو الطول} أي البأس والعزة والغلبة، فلا يفوته- سبحانه- مطلوب، ولا يدفع بأسه دافع.
ومن صفاته سبحانه: تفرده بالألوهة.. {لا إله إلا هو} لا إله غيره، ولا ربّ سواه.
ومن صفاته سبحانه: أن مصير كل شيء إليه.. منه البدء، وإليه المنتهى.
قوله تعالى: {ما يُجادِلُ فِي آياتِ اللَّهِ إِلَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَلا يَغْرُرْكَ تَقَلُّبُهُمْ فِي الْبِلادِ} هذا الكتاب الذي نزل من اللّه العزيز العليم. هو نور من نور اللّه، وعلم من علم اللّه، وسلطان من سلطان اللّه، بحجته الساطعة، وآياته البينة- هذا الكتاب ما يجادل فيه أحد، إلا الذين كفروا.. فهم لظلام بصائرهم، وضلال عقولهم، ومرض قلوبهم، قد استغلق عليهم هذا الكتاب، فلم يهتدوا إلى ما من فيه حق، فجعلوا يلقونه بالجدل، سخرية واستهزاء، لا طلبا لعلم، ولا التماسا لمعرفة.
وقوله تعالى: {فَلا يَغْرُرْكَ تَقَلُّبُهُمْ فِي الْبِلادِ} هو إحقار لشأن هؤلاء الكافرين المعاندين، ولما بين أيديهم من مال وسلطان.. والمراد بالذين كفروا هنا، المشركون.. وتقلبهم في البلاد، هو تنقلهم في تجاراتهم، إذ كانوا أصحاب تجارات، مع أهل الشام شمالا، ومع اليمن جنوبا.. في رحلتى الشتاء والصيف.
قوله تعالى: {كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَالْأَحْزابُ مِنْ بَعْدِهِمْ وَهَمَّتْ كُلُّ أُمَّةٍ بِرَسُولِهِمْ لِيَأْخُذُوهُ وَجادَلُوا بِالْباطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ فَأَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كانَ عِقابِ} هو تهديد لهؤلاء المشركين بعذاب اللّه، الذي يقع بالضالين المكذبين.. فهم ليسوا أول من كذب باللّه، فقد كذبت من قبلهم أقوام بعد أقوام.. كذبت قبلهم قوم نوح، وكذلك كذب الأحزاب من بعد قوم نوح.. {وَهَمَّتْ كُلُّ أُمَّةٍ بِرَسُولِهِمْ لِيَأْخُذُوهُ} أي أرادت كل أمة من هذه الأمم الضالة، أن تلحق الأذى برسولها، أو أن تفتك به.. {وَجادَلُوا بِالْباطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ} أي وأقبلوا بالباطل الذي معهم ليبطلوا به الحق الذي بين يدى النبي، ويقيموا لهذا الباطل حججا من السفه والضلال.. فما ذا كان مصيرهم؟ لقد أخذهم اللّه أخذ عزيز مقتدر: كما يقول سبحانه: {فَكُلًّا أَخَذْنا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنا عَلَيْهِ حاصِباً وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ، وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنا وَما كانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} [40: العنكبوت] وقوله تعالى: {فَكَيْفَ كانَ عِقابِ؟} استفهام يراد به التقرير، والإلفات إلى هذا العذاب الشديد.
والأحزاب، هم جماعات الضالين المكذبين بالرسل، على اختلاف أزمانهم وأوطانهم.. وسمّوا أحزابا، لأنهم تخزبوا على تكذيب رسلهم، واجتمعوا على الوقوف في وجه دعوتهم، وسوق الأذى إليهم.. وفى هذا يقول اللّه تعالى: {كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعادٌ وَفِرْعَوْنُ ذُو الْأَوْتادِ وَثَمُودُ وَقَوْمُ لُوطٍ وَأَصْحابُ الْأَيْكَةِ.. أُولئِكَ الْأَحْزابُ} [12- 13: ص] قوله تعالى: {وَكَذلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ أَصْحابُ النَّارِ} حقت: أي وجبت، ولزمت وكلمة ربك: هى حكمه وقضاؤه، الذي قضى به على الكافرين، وهو أنهم أصحاب النار.. وهذا ما يشير إليه سبحانه وتعالى في كثير من آيات الكتاب الكريم، مثل قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ جامِعُ الْمُنافِقِينَ وَالْكافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعاً} [140: النساء] وقوله سبحانه: {إِنَّ جَهَنَّمَ كانَتْ مِرْصاداً لِلطَّاغِينَ مَآباً.} [21- 22: النبأ] وقوله تعالى: {وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ} [119: هود].


{الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْماً فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذابَ الْجَحِيمِ (7) رَبَّنا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبائِهِمْ وَأَزْواجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (8) وَقِهِمُ السَّيِّئاتِ وَمَنْ تَقِ السَّيِّئاتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ وَذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (9)}.
التفسير:
قوله تعالى: {الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْماً فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذابَ الْجَحِيمِ}.
مناسبة هذه الآية لما قبلها، هى أن الآيات السابقة عرضت أهل الكفر والضلال، وربطت بينهم بتلك الجامعة التي تجمعهم على الباطل، لمحاربة الحق، والوقوف في وجه دعاته، وأخذهم بالبأساء والضراء.. فهم أحزاب متناصرة على الشر، متساندة في حجب الهدى عن أبصارهم.
وفى قوله تعالى: {الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ.. الآية} عرض لجبهة الخير، وأرباب الهدى.. وأنهم أحزاب متناصرة على الحق، متعاونة على البر والتقوى، يأخذ بعضهم بيد بعضهم بيد بعض إلى ما يرضى اللّه، وينزلهم منازل رحمته ورضوانه.
فالملائكة، وهم من عالم غير عالم البشر، تصلهم بالمؤمنين المتقين صلات وثيقة من المودة والألفة، وتجمعهم على طريق واحد، هو الطريق المتجه إلى اللّه.
وإذا كان الملائكة- وهم من عالم النور- أقرب إلى اللّه، وأدنى من رحمته ورضوانه- فإنهم يستغفرون ربهم للذين آمنوا، ويدعونه لهم، ويطلبون إليه سبحانه أن يقيهم عذاب الجحيم، وأن يدخلهم الجنة مع من صلح من آبائهم وأزواجهم وذرياتهم، لينعموا جميعا بما ينعم به الملائكة، وليكونوا رفقاء لهم في الملأ الأعلى، يأنسون بهم، ويسعدون بصحبتهم.
وفى قوله تعالى: {الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ} إشارة إلى أن الملائكة وهم أقرب المقربين إلى اللّه من خلقه، لا يقطعهم ذلك عن التسبيح بحمده، وهم في أمن وعافية وسلام.. بل إنهم لأكثر خلق اللّه تسبيحا للّه، وحمدا له، لأنه أعرف بجلاله وعظمته.
وفى قوله تعالى: {وَيُؤْمِنُونَ بِهِ} إشارة إلى تلك الصلة الجامعة التي تصلهم بالمؤمنين، وهى الإيمان باللّه.. ومن هنا كان دعاؤهم للمؤمنين، واستغفارهم له.. واللّه سبحانه وتعالى يقول: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} [10: الحجرات].. ويقول سبحانه: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ} [71: التوبة].
وقد علّم اللّه المؤمنين أن يدعو بعضهم لبعض ويستغفر بعضهم لبعض، إذ يقول سبحانه على لسانهم كما علمهم: {رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا وَلِإِخْوانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونا بِالْإِيمانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنا إِنَّكَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ} [10: الحشر].
وفى قوله تعالى: {رَبَّنا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْماً} هو من تسبيح الملائكة للّه، ومن استمطارهم من واسع رحمته للمؤمنين.. فمن رحمة اللّه التي وسعت كل شىء، يطلب الملائكة الرحمة للمؤمنين، الذين تابوا واتبعوا سبيل اللّه بالإيمان به.
وفى قرن الرحمة بالعلم، إشارة إلى أن رحمة اللّه إنما تقع حيث علم اللّه موقعها من عباده.
وفى قوله تعالى: {وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبائِهِمْ وَأَزْواجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ} إشارة إلى أنه لا يلحق بأهل الصلاح إلا الصالحون، وأنه لا نسب بينهم أوثق من هذا النسب، الذي يجمع بينهم في جنات النعيم.
وقوله تعالى: {وَقِهِمُ السَّيِّئاتِ} أي ادفع عنهم السيئات، وباعد بينهم وبينها، بالمغفرة، والمحو، حتى إذا حوسبوا لم يكن في ميزان حسابهم ما يثقله من سيئات.
وقوله تعالى: {وَمَنْ تَقِ السَّيِّئاتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ}.
أي أن مغفرة السيئات والتجاوز عنها، إنما هو رحمة من رحمة اللّه الذي وسع كل شيء رحمة وعلما.
وقوله تعالى: {وَذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} الإشارة إلى غفران السيئات والوقاية من شرها.. فمن وقى الشر فقد فاز فوزا عظيما، واللّه سبحانه وتعالى يقول: {فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فازَ} [185: آل عمران].


{إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنادَوْنَ لَمَقْتُ اللَّهِ أَكْبَرُ مِنْ مَقْتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ إِذْ تُدْعَوْنَ إِلَى الْإِيمانِ فَتَكْفُرُونَ (10) قالُوا رَبَّنا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ فَاعْتَرَفْنا بِذُنُوبِنا فَهَلْ إِلى خُرُوجٍ مِنْ سَبِيلٍ (11) ذلِكُمْ بِأَنَّهُ إِذا دُعِيَ اللَّهُ وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ وَإِنْ يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُوا فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ (12)}.
التفسير:
قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنادَوْنَ لَمَقْتُ اللَّهِ أَكْبَرُ مِنْ مَقْتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ إِذْ تُدْعَوْنَ إِلَى الْإِيمانِ فَتَكْفُرُونَ}.
أي أنه حين يستغفر الملائكة ربّهم، ويطلبون إليه سبحانه، الرحمة للمؤمنين والتجاوز عن سيئاتهم، وإدخالهم الجنة هم ومن صلح من آبائهم وأزواجهم وذرياتهم- إذ يفعل الملائكة كل هذا من أجل المؤمنين، فإنهم يلقون الكافرين بما يسوءهم، ويضاعف آلامهم، إذ ينادونهم بمالهم عند اللّه من مقت وطرد من رحمته، وأن مقت اللّه لهم أكبر من مقتهم هم لأنفسهم، حين دعوا إلى الإيمان، فلم يقبلوه، ولجّوا فيما هم فيه من كفر وضلال.. فهم بكفرهم، وبإعراضهم عن الإيمان قد مقتوا أنفسهم، وأبعدوها عن مواطن الخير، واللّه أشد مقتا، وإبعادا لهم من مواطن الخير.
قوله تعالى: {قالُوا رَبَّنا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ.. فَاعْتَرَفْنا بِذُنُوبِنا فَهَلْ إِلى خُرُوجٍ مِنْ سَبِيلٍ}.
هو حكاية لمقولة من مقولات الكافرين، وهم في النار، إذ يمنّون أنفسهم بالخروج من النار، وبالعودة إلى الحياة الدنيا مرة أخرى ليؤمنوا باللّه، ويصلحوا ما أفسدوا من أمرهم.
وقوله تعالى: {أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ} إشارة إلى الأدوار التي مرّ بها الإنسان، وهى أربعة أدوار.. فقد كان ميّتا، قبل أن يخلق، ثم كان حيّا بعد أن خلق، ثم كان الموت، وكان البعث.. فهما موتان، وحياتان.. وهذا ما يشير إليه قوله تعالى: {كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ، وَكُنْتُمْ أَمْواتاً فَأَحْياكُمْ.. ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ.. ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ}.
(28: البقرة) قوله تعالى: {ذلِكُمْ بِأَنَّهُ إِذا دُعِيَ اللَّهُ وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ وَإِنْ يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُوا.. فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ}.
الإشارة إلى هذا العذاب الذي يلقاه أهل الكفر والضلال في جهنم، وأنه إنما كان بسبب كفرهم وعنادهم، وأنهم كانوا- في دنياهم- {إِذا دُعِيَ اللَّهُ وَحْدَهُ} أي إذا عرض عليهم الإيمان بإله واحد لا شريك له، كفروا، ولم يقبلوا هذا الإيمان.. {وَإِنْ يُشْرَكْ بِهِ} أي إن جعل مع اللّه شركاء، قبلوا الإيمان على الصورة التي تجعل مع اللّه إلها مع هذه الآلهة التي يعبدونها.. وهذا مثل قوله تعالى: {وَإِذا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَإِذا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ إِذا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ} [45: الزمر].
وقوله تعالى: {فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ} إشارة إلى أن الحكم المسلّط عليهم الآن، هو حكم اللّه، العلى الكبير، الذي لا يشاركه أحد في علوّه، ومقامه، وسلطانه.. فإذا كان لآلهتهم التي أضافوها إلى اللّه، وأشركوها معه- إذا كان لهذه الآلهة شيء مع اللّه، فليطلبوا إليها هذا الذي يطلبون اليوم من اللّه.. وإنه لضلال في منطقهم أن يشركوا آلهتهم مع اللّه في الدنيا، ثم لا يشركوهم معه في الآخرة، لينفذوهم من النار التي يساقون إليها.

1 | 2 | 3 | 4 | 5